مارغريت ماي ماكولاي.. قاضية حملت هموم النساء والمظلومين إلى أروقة القضاء الدولي

مارغريت ماي ماكولاي.. قاضية حملت هموم النساء والمظلومين إلى أروقة القضاء الدولي
مارغريت ماي ماكولاي

منذ طفولتها الأولى في فريتاون عاصمة سيراليون، حملت مارغريت ماي ماكولاي قناعة راسخة بأن الإنسان، مهما كان جنسه أو أصله أو طبقته، يستحق أن يُعامل بكرامة وعدالة، لم تكن مجرد محامية أو قاضية عابرة في سجل القضاء الدولي، بل تحولت إلى صوتٍ صلب في الدفاع عن المستضعفين، وواحدة من أبرز الأسماء النسائية التي ارتبطت بقضايا المرأة والطفل والمهاجرين والمهمشين في العالم.

ولدت مارغريت في بيت تقدمي آمَن بـالمساواة والحرية، ربّاها والدها على أن الفتاة لا تقل عن الفتى، فشجعها وشقيقاتها على ممارسة الرياضة، حتى تلك التي لم تكن مألوفة للفتيات مثل الملاكمة ورفع الأثقال، كان يقول لهن: "لا تنتظرن أحداً ليقاتل عنكن، عليكن أن تواجهن العالم بأنفسكن"، وبحسب موقع"verfassungsblog" هذه التربية غرست في نفسها الثقة والإصرار على أن تكون صوتاً للعدالة.

في وقت كان يُنظر فيه للمرأة على أنها تابعة، أثبتت مارغريت أن الكلمة لا تُقاس بنوع قائلها، بل بقوة الحق الذي تحمله، درست القانون في جامعة لندن وتخرجت عام 1966، ثم عادت إلى بلادها لتبدأ مع زوجها، بيرثان ماكولاي، رحلة عمل صعبة وسط اضطرابات سياسية انتهت باعتقاله وتهديد حياتهما، ما دفع الأسرة إلى الهجرة إلى جامايكا عام 1974، ومن هناك بدأت مارغريت مرحلة جديدة من النضال، مستخدمة القانون كدرع وسلاح لحماية المستضعفين.

صوت في المحاكم الدولية

في جامايكا، عُرفت مارغريت كمحامية جريئة تتصدى لقضايا حساسة، لا سيما تلك المتعلقة بحقوق النساء والأطفال، كانت تردد أن حقوق الإنسان تبدأ من الاعتراف بالمرأة كشريك كامل في صناعة القرار والسياسات العامة.

عام 2007، وصلت إلى منصة دولية مرموقة حين انتُخبت قاضية في المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان، لتصبح أول امرأة جامايكية وأول امرأة سوداء في هذا المنصب، خلال عملها، شاركت في قضايا بارزة، من بينها "قضية مزرعة القطن" التي أدانت المكسيك على خلفية الاعتداء والقتل الوحشي لنساء، اعتبرت ماكولاي أن هذه اللحظة كانت تحولاً تاريخياً في الاعتراف بجرائم العنف الجنسي ضد النساء كجرائم حقوق إنسان لا يمكن التغاضي عنها.

لم تكن مسيرة ماكولاي خالية من التحديات، فبينما ساهمت في إصلاح أنظمة قضائية ودفعت المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان نحو مزيد من الشفافية، لم تتردد في كشف ما وصفته بـ"البيئة السامة" داخل المؤسسة نفسها، حيث كان موظفون يعيشون ضغوطاً نفسية وصلت بالبعض إلى التفكير في الانتحار، تساءلت بجرأة.. كيف يمكن لمؤسسة تعنى بالعدالة أن تفشل في صون حقوق العاملين فيها؟

هذه الصراحة جلبت لها معارك عديدة، بعضها وصل إلى محاولات منع إعادة انتخابها عام 2018 من قبل جماعات محافظة في جامايكا، اتهمتها بمعاداة القيم التقليدية بسبب مواقفها المنفتحة من قضايا الحريات الشخصية، لكن دعم منظمات حقوق الإنسان الدولية أعادها إلى المنصب، لتواصل عملها وتترأس اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان لاحقاً.

بصمة إنسانية لا تُمحى

لم تقتصر إنجازات ماكولاي على القضاء. فقد حمل اسمها منذ عام 2017 مكاناً على "جدار الإرث من أجل العدالة بين الجنسين"، تكريماً لجهودها العالمية في الدفاع عن النساء، كما عملت وسيطة في المحكمة العليا في جامايكا، ومارست التحكيم، وكتبت مقالات أسبوعية لتبسيط القانون للناس العاديين، إيماناً منها بأن المعرفة القانونية حق للجميع وليست حكراً على النخب.

بالنسبة لها، الحقوق لا تتجزأ. كانت تؤكد دائماً: "لا يوجد إلا جنس واحد في العالم، هو الجنس البشري، وإذا كنا جميعاً بشراً، فلنا جميعاً الحقوق نفسها"، وهذه الفلسفة الإنسانية هي التي جعلتها تحظى باحترام واسع حتى من خصومها.

الإرث والرسالة

قصة مارغريت ماي ماكولاي ليست مجرد سيرة شخصية لقاضية دولية، بل مرآة لصراع طويل خاضته النساء والأقليات والمظلومون لنيل حقوقهم، فهي تمثل جيلاً من الحقوقيين الذين لم يكتفوا بالنصوص القانونية، بل جعلوا منها سلاحاً لحماية الناس فعلاً.

وبينما تواجه المؤسسات الدولية اليوم تحديات متزايدة في ظل النزاعات والأزمات، تظل سيرة ماكولاي مثالاً على أن الإرادة الفردية قادرة على إحداث فرق ملموس، لقد حولت حياتها إلى رسالة إنسانية تقول: إن العدالة ليست امتيازاً، بل هي حق يولد مع كل إنسان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية